حكم الكلام في الصلاة
لا خلاف بين أهل العلم أن الكلام العمد في الصلاة يبطلها قل أو كثر ، سواء كان لمصلحة الصلاة أو لغير مصلحة إلا أن الإمام مالك قال : يجوز فيها لاصلاح الصلاة وهو قول الاوزاعي ، إلا أن الشافعي(1) ذهب إلى انه إن كان عالماً بتحريمه بطلت الصلاة به وان كان لمصلحة ، إما اذا كان تسبيحاً أو تهليلاً أو غير ذلك من ذكر الله ورسوله فلا تبطل الصلاة به ، ويحصل ابطال الصلاة بحرفين افهما أو لا أو حرف مفهم ، الاصل في ذلك ما رواه معاوية بن الحكم السلمي أن النبي قال : ( إن صلاتنا لا يصلح فيها شيء من كلام الناس انما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن )(2) ، إلا انهم اختلفوا في كلام الناسي هل يبطل الصلاة أم لا ، ذهبوا في ذلك إلى مذاهب :
المذهب الأول : أن السهو لا يفسد الصلاة ، وهو قول الشافعي ومالك وبه قال الإمام احمد ، حيث يعتقد انه قد سلم أو انه ليس في الصلاة فيتكلم ولا يطيل الكلام ، واحتجوا بقوله : ( رفع عن امتي الخطأ والنسيان وما استكره عليه )(3) ، وبحديث ذو اليدين وهو رجل طويل اليدين – كان رسول الله يسميه ذا اليدين قال : ( اقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت فقال لم تقصر ولم أنسىَ فاقبل على القوم فقال اصدق ذو اليدين قالوا نعم فجاء فصلى بنا ركعتين الباقيتين وسلم وسجد سجدتي السهو )(4) ، فاخبر أبو هريرة رضي الله عنه بما كان من النبي ومن الصحابة من كلام ولم يمتنع من البناء ، فعلل المالكية عدم افساد الصلاة لانه كان لاصلاحها ، والشافعية
بالنسيان(5) .
وذهب الإمام ابن حزم إلى جواز التسبيح في الصلاة حيث اباحه على كل حال ، وذهبت #الامامية إلى أن الصلاة بالكلام سهواً اذا كان يسيراً بحيث تبقى صورة الصلاة محفوظة واوجبوا على المصلي أن يرد التحية بمثلها اذا كانت بصيغة السلام لا بصيغة صباح الخير ونحوه(6) .
المذهب الثاني : انه يبطل الصلاة : لا فرق بين عمده وسهوه ، هذا النوع يسمى بالعوارض الاختيارية المسماة بالكسبية ، والخطأ داخل في الحكم لعدم التفرقة بينهما شرعاً وهذا
قول جمهور الحنفية(7) ، فالكلام في الصلاة عندهم سواء كان ناسياً أو عمداً أو خاطئاً قليلاً أو كثيراً سواء تكلم لاصلاح صلاته بان قام الإمام في موضع القعود فقال له المقتدي اقعد أو قعد في موضع القيام فقال له قم وكان الكلام من كلام الناس بطلت الصلاة به ، واذا تكلم مع نفسه بحيث يسمع نفسه فسدت صلاته ، وان لم يسمع وصحة الحروف لا تفسد ، وهذا مذهب الإمام الجصاص رحمه الله بقوله : إن القياس فيهما سواء حيث لم يفرق بين العمد والسهو واستدل بحديث معاوية بن الحكم السلمي أن النبي قال : ( إن صلاتنا لا يصلح فيها شيء من كلام الناس انما هي التسبيح والتكبير وقراة القرآن )(8) ، وبحديث عبد الله بن مسعود قال : ( كنا نسلم عل النبي وهو في الصلاة فيرد علينا قبل أن ناتي ارض الحبشة فلما رجعت سلمت عليه فلم يرد علي فذكرت ذلك فقال إن الله يحدث من امره ما يشاء وانه قضى أن لا تكلموا في الصلاة)(9) ، واجاب الجصاص رحمه الله تعالى على من احتج بحديث ذي اليدين : انه لو كان حديث ذي اليدين بعد نسخ الكلام لكان مبيحاً للكلام فيها ناسخاً لحظره لانه لم يخبرهم أن جواز ذلك مخصوص بحال دون حال(10) .
(1) البيان : 2/303 .
(2) مسلم : ح(537) ، كتاب المساجد ، واحمد : 5/447-448 ، وابو داؤد : ح(930) ، كتاب الصلاة ، النسائي : 3/14 ، كتاب السهو ، البيهقي : 10/57 .
(3) رواه ابن ماجه (2043) ، والطحاوي ، 2/56 ، والحاكم ، 2/198 ، والالباني في الصحيح الجامع : 1/3515 .
(4) رواه البخاري ، ج3 ، باب سجود السهو ، رقم 127-1228 .
(5) الجصاص : 1/444 ، والبيان في فقه الشافعي : 2/303 .
(6) المحلى ابن حزم : 2/118 ، الفقه على المذاهب الخمسة : 144 .
(7) مجمع الأنهر شرح ملتقى الابحر لعبد الرحمن داما : 1/117 ، الفتاوى الهندية للفرغنياني الحنفي : ط2 ، 1/98 ، الهداية : 1/66 .
(8) سبق تخريجه .
(9) الحديث .
(10) الجصاص : 1/443 ، مجمع الأنهر شرح ملتقى الابحر لعبد الرحمن داما : 1/117 ، الفتاوى الهندية : ط2 ، 1/98 ، الهداية : 1/66 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق