مسلم حنيف - مكتبة آل محمد

مكتبة آل محمد. تصحيح المفاهيم الخاطئة وتجديد الفكر الديني، وقراءة في جميع الكتب.

آخر المواضيع

الأربعاء، 26 سبتمبر 2018

صيام الحائض والنفساء

وجوب صيام الحائض والنفساء :

 


وجوب صيام الحائض :

مقدمة :




 كلما اقترب شهر رمضان المبارك إلا وانتشر سؤال مهم في جميع الأماكن من طرف الإناث والذكور معا، هل بإمكان الحائض أن تصوم أم يجب عليها أن تفطر ؟.

 قبل التطرق للموضوع مباشرة، لا بد من مقدمة تفصيلية لتوضيح ما يحاول البعض إخفاءه وإنكاره، وعلى ماذا اعتمد الذي يقول بوجوب إفطار الحائض ؟ وما الذي هجروه ؟ وهل هناك اختلاف بين أقوالهم وأفعالهم ؟ ومن هو المشرع ؟ وهل هناك أحد - دون الله عز وجل -  يستطيع أن يشرع ؟.


كل علماء الأصول - وغيرهم - وكتبهم تقول وتقر بأن الحاكم هو الله عز زوجل وحده، والرسول عليه الصلاة والسلام يحكم بما أنزل الله عز وجل إليه وحيا. ولا ينفرد بالتشريع، لا هو عليه الصلاة والسلام ولا غيره. وهذا قولهم :

قال الشيخ زكريا الأنصاري : الأصح جواز الاجتهاد للنبي عليه الصلاة والسلام ووقوعه في الخطأ، لقوله تعالى {ما كان لنبيّ أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض} ، {عفا الله عنك لم أذنت لهم} عوتب على استبقاء أسرى بدر بالفداء، وعلى الإذن لمن ظهر نفاقهم في التخلف عن غزوة تبوك، والعتاب لا يكون فيما صدر عن وحي، فيكون عن اجتهاد، والنبي ليس بمشرع.

{مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (يوسف 40).

{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَىٰ وَالْآخِرَةِ ۖ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (القصص 68-70).

والحكم من الله (الحكم)، وهو اسم من اسمائه وصفة من صفاته. فمن ادعى الحق بالتشريع بما يريد؛ إنما يدعي الألوهية عملا، ويزاولها سلوكا، وإن كان لا ينطق بها لفظا، والنتيجة واحدة، وهي انتزاع حق الله في التشريع للناس. وهذا شرك يخرج أصحابه من دين الله، {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله} [الشورى:21]، {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ۖ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام:121]. فطاعة التشريع البشري مع الرضا القلبي شرك، يخرج صاحبه من الملة.
بين الله تعالى انفراده بالحكم، وهو شامل لكل قضاء يقضيه، فالحلال ما أحله تعالى والحرام ما حرمه والدين ما شرعه والقضاء ما قضاه الله عز وجل. (أضواء البيان 82/4).

{وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ .....} (الإسراء 23)

من كلامهم يتضح للجميع أن التشريع خاص بالله عز وجل حصرا، ولا يستطيع أحد غيره أن يشرع أمرا واحدا، وإلا فإنه يدعي الألوهية - كما قالوا - ويمارسها سلوكا وإن لم ينطق بذلك، لهذا فإن عمدتنا في التشريع هو القرآن.

التشريع الإسلامي اكتمل نزولاً بنزول القرآن الكريم وهذا لا اختلاف فيه بين المسلمين، والشرع الإسلامي كله في القرآن حصرا. واكتمال نزول التشريع غير مسألة اكتمال فهم التشريع، والمسألة في فهم التشريع لا في نزوله.

وسأسرد بعض الايات التي توضح أن كتاب الله عز وجل مفصل وهو منبع الأحكام والتشريعات، يقول عز وجل :

{أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا ۚ وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ ۖ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} (الأنعام 114)

{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۗ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (الشورى 21)

{شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} (الشورى 13)

{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (الجاثية 18)

{..... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (المائدة 3)

{وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (الأعراف 52)

{إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} (الطارق 13-14)

{فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ وَهَٰذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} (الأنعام 125-126)

{الر ۚ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} (هود 1)

{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (يوسف 111)

{وَمَا كَانَ هَٰذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ} (يونس 37)

{كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (فصلت 3)

{قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ ۚ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۖ يَقُصُّ الْحَقَّ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} (الأنعام 57).


وكل من يحاول أن يقول أن هناك مشرع دون الله فليعلن كفره بهذه الآيات أولا، ثم بعدها يتم مناقشته.

 يعتمد كل من يقول بحرمة صيام الحائض على خبر آحاد، وهو رواية (النساء ناقصات عقل ودين، أما نقصان ...) ، هذه الرواية باطلة ومردودة، استنادا لقواعد متون الحديث - المتفق عليها من طرف الفقهاء وغيرهم - وعلم الدراية (إذا تعارض حديث مع آية لا يعمل بالحديث، والجمهور اتفق على أكثر من 15 قاعدة لقبول متن الحديث). فلا المرأة ناقصة عقل ولا هي ناقصة دين، وهذا ينطبق على الأنثى والذكر معا، لأن الأصل في الإنسان -أنثى وذكر - واحد من حيث الفطرة، ولا يوجد جنس بشري ناقص عقل ودين عن الآخر والعكس صحيح.

- هل الطهارة من شروط الصيام ؟



 لقد اشترط الله عز وجل الطهارة البدنية لإقامة الصلاة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (المائدة 6)، وأمر الله عز وجل باعتزال النساء في المحيض {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (البقرة 222).
وإذا ما أرادت الأنثى القيام بأحد هذين الفعلين فيجب عليها أن تنتظر انتهاء فترة الحيض {حتى يطهرن} أولا، ثم تقوم بفعل التطهير المادي لجسمها {فإذا تطهرن}، وتستطيع الأنثى أن تطهر الفرج كحد أدنى من أجل الجماع، أما لإقامة الصلاة فيجب أن عليها أن تطهر بدنها بأكمله، وليس على الأنثى الحائض والنفساء قضاء ما فاتهن من الصلوات كتكليف، لكن إن أرادت قضاء ما فاتها فتلك حريتها الشخصية ولا دخل لأي بشر في ذلك.

لم يشترط الله عز وجل الطهارة في الصيام، وآيات الصيام تقول {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (البقرة 185) والخطاب هنا عام للرجال والنساء بالصيام، وكما ذكرنا فإن الله عز وجل لم يشترط طهارة البدن من أجل الصيام، وصيام الجنب صيام صحيح لا تشوبه شائبة، والأنثى الحائض كالذكر الجنب من حيث عدم طهارة البدن، والحائض كالجنب من حيث وجوب الصيام عليهما، فلا هو مأمور بالإفطار في أيام عدم طهارته ولا الأنثى مأمورة بذلك. لكن إذا أثر النفاس والحيض على المرأة ولم تقدر على الصيام، فحينئذ تأخذ برخصة المريض {وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وتقضي الأيام التي أفطرت في أيام أخر.

إن المرأة الحائض أو النفساء هي صاحبة القرار في مسألة صيامها من عدمه، ويحق للطبيب أن يفتيها بالإفطار او الصيام ان استطاعت ذلك بدون وجود خطر عليها، وقد تكون فتوى الطبيب أقوى من فتوى الشخص نفسه لامتلاك الطبيب عناصر معرفة أكثر من المريض نفسه. وإذا أفتى الطبيب بقدرة الحائض على الصيام فبإمكانها الصيام لعدم وجود نص قرآني يمنع ذلك. والأنثى أدرى بنفسها وبصحتها، فمنهن من يصعب ويشق عليها الصيام في كل أيام الحيض، ومنهن من تستطيع تجاوز حالة التعب بعد يوم أو يومين من بداية الحيض فقط، ومنهن من لا يجهدها الحيض إطلاقا وتستطيع أن تصوم فترة الحيض كاملة، أما من تصوم وينزل منها دم الحيض قبيل الإفطار فصيامها صحيح ولا بطلان له، ولا يجب عليها قضاء ذلك اليوم كتكليف، أما إن أرادت ذلك فتلك حريتها الكاملة ولا دخل لبشر في ذلك، فالإنسان ملك نفسه وهو يفتي نفسه بما يراه صالحا له.

- هل الحيض أذى أم مرض ؟



 يقول الفقهاء وغيرهم من سدنة المعابد أن الحيض مرض، وأن الأذى يعني المرض، ولهذا السبب فإن المرأة الحائض تعتبر امرأة مريضة لا يجوز صيامها وإذا صامت فهي آثمة، وكل هذا مخالف لصريح القرآن ولا دليل له، بل على العكس تماما فهناك أدلة تنفي الكلام الهلامي للفقهاء الأجلاء، ولنحتكم للقرآن ليفصل بيننا وبينهم.

وردت كلمة "أذى" في القرآن الكريم 8 مرات (7 مرات غير معرفة، ومرة واحدة معرفة "الأذى") :

{فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (البقرة 196)

{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} (البقرة 222)

{الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى ۙ لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة 262)

{قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} (البقرة 263)

{لَن يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى ۖ وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ} (آل عمران 111)

{لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ۚ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (آل عمران 186)

{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ ۖ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا} (النساء 102)

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر} (البقرة 264).


وكما هو ملاحظ فإن كلمة "أذى" مخالفة ومغايرة لكلمة "مرض" {... منكم مريضا أو به أذى ...} {... إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى ...} وجاء بينهما حرف العطف "أو" ليتضح أنهما حالتين غير متطابقتين. فالحيض في ذاته ليس بمرض وإنما أذى، وليس بنجاسة كما يدعي بعض سقيمي الفكر والعقل، فكلمة النجاسة أو نجس لا تقال على المسلم إطلاقا حتى وإن كان غير طاهر بدنيا، فالنجاسة تطلق - كما في القرآن - على المشرك، لا لنجاسة بدنه بل لنجاسة أفكاره ومفاهيمه الخبيثة.

- لماذا يحرم الفقهاء صيام الحائض ؟



وليومنا هذا، لم نجد دليلا واحدا يمنع أو يحرم صيام الحائض، ويعترف الفقهاء والشيوخ بعدم وجود دليل للتحريم والمنع (من القرآن أو الأحاديث)، بل إنهم يعترفون - وبكل وقاحة - بأن دليلهم للتحريم هو إجماع الفقهاء فقط، وكأن الفقهاء - أو غيرهم - آلهة يحق لها التشريع في دين الرحمن. ومن المفارقات العجيبة هي أن أحد الذين يقال عنهم - مالك - أنهم أجمعوا على أمر لم يكن في الدين فابتدعوه، يقول : من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا خان الرسالة.
واستدل على ذلك بقوله تعالى : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} (المائدة 3) وقال: فما لم يكن يومئذ ديناً فلن يكون اليوم ديناً.

قال الخطيب الشربيني الشافعي في كتابه الإقناع : (قال  الإمام : وكون الصوم لا يصح منها - الحائض - لا يدركه معناه، لأن الطهارة ليست مشروطة فيه. وهل وجب عليها ثم سقط أو لم يجب أصلا ؟...) (الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع 475/1).

ويقر سدنة المعابد بأنه لا يوجد دليل قولي من القرآن والسنة يحرم الصيام على المرأة الحائض، وعند وجود الدم، فالإجماع فقط هو الدليل.

- هل الإفطار رخصة أم عزيمة ؟



ذهب جمهور وفقهاء الأمصار إلى أن الإفطار رخصة، فإن شاء أفطر وإن شاء صام واستدلوا بما يلي:

1- قالوا: إن في الآية إضمارا تقديره: فأفطر فعليه عدة من أيام أخر، وهو نظير قوله تعالى: {فَقُلْنَا اضرب بِّعَصَاكَ الحجر فانفجرت} (البقرة 60) والتقدير: فضرب فانفجرت، وكذلك قوله تعالى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} (البقرة 196) أي فحلق فعليه فدية والإضمار في القرآن كثير لا ينكره إلا جاهل.

2- واستدلوا بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بالخبر المستفيض أنه صام في السفر.

3- وبما ثبت عن أنس قال: سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم.

4- وقالوا: إن المرض والسفر من موجبات اليسر شرعًا وعقلًا، فلا يصح أن يكونا سببًا للعسر.

القرآن أوجب القضاء على المريض والمسافر، ومع ذلك يجوز لهما أن يصوما إن شاؤوا ويقع الصيام صحيحا. هذا يقودنا لسؤال مهم، لماذا يحرم ويمنع الفقهاء الأجلاء الحائض من الصيام ؟.

فلو افترضنا جدلا أن الحائض شخص مريض، فلها الحق في الصوم أو الإفطار تماما كغيرها من المرضى والمسافرين. ومن يقول أن السبب هو عدم الطهارة فنجيبه بأن الطهارة ليست شرط من شروط صحة الصيام، وكما يقول الفقهاء الأجلاء بأن الجنابة بغير الدم لا تمنع الصوم ولا تبطله. أما من يربط الصيام بالصلاة ويقول أنه لا يجوز للحائض الصيام لأنها لا تصلي، فهذا الكلام - ومع كامل الاحترام - لا يخرج إلا من أفواه الأغبياء فقط، فالذكر الجنب يصوم بدون أن يصلي وصيامه صحيح لأن كما ذكرنا طهارة البدن ليست بشرط للصيام، فلا مجال للربط بين هذا -الصيام - وذاك - الصلاة - إلا من طرف الثرثارين.

- هل يجوز الصيام حين عدم نزول الدم أثناء الحيض ؟



 عندما سئل حراس المعبد عن المرأة التي تتناول الأدوية لتمنع نزول الدم لتكمل صيام رمضان وبالأخص العشر الأواخر، أجابوا بأن ذلك جائز ولا إشكالية فيه إطلاقا ويصح صيامها. وقالوا كذلك بصحة صيام الحائض التي لم ينزل منها الدم بعد.

ولأنهم قوم لا يفقهون، فإنهم لا يعلمون أن انقطاع تدفق دم الحيض لا يعني أن عملية - أو فترة - الحيض قد انتهت، بل العملية مستمرة ودم الحيض يجتمع ليعاود النزول مرة أخرى، والمرأة تسمى حائض طوال فترات نزول الدم وما بينها من انقطاع.

في الأخير لا نملك إلا سؤالا لشيوخنا الكرام :

لماذا يحق للمرأة الحائض التي لا ينزل منها دم أن تصوم وصيامها صحيح، ولا يحق للحائض التي ينزل منها دم الصيام ؟ ولماذا يحرم عليها وإن صامت فهي آثمة ؟ هل مانع الصيام هو نزول الدم ؟.

وللذين يقولون : (لا يجب على الحائض الصيام اتفاقا، وإذا صامت فهي آثمة لا مؤجرة، وعليها بعد الطهر قضاء ما فاتها من أيام رمضان، ويفسد صومها بخروج الدم ...).

هل هذا حكم الله عز وجل ؟ أم هذا حكم للبشر ؟ وهل في القرآن ما يمنع الحائض من الصيام ؟







خلاصة :



 لا يوجد دليل واحد يحرم أو يمنع الحائض أو النفساء من صيام رمضان، والحيض ليس بمرض كما يظن البعض ويروج لذلك، فالأذى غير المرض كما يوضح القرآن، ولكن أعراض الحيض وما يتبعه قد يفضي للمرض عند بعض النساء والبعض الآخر لا.
وكما ذكرنا فإن طهارة البدن ليست بشرط من شروط صحة الصيام، والمريض له الحرية في الأخذ بالرخصة من عدمه، أما ربط الصيام بالصلاة فهذا لا نسمعه إلا من الأطفال ومن الناس ضعيفة الحجة والدليل، فيحاول ربط أي شيء بأي شيء لينتصر لرأيه الباطل.
لو كان صيام الحائض حرام لما أجاز الفقهاء صيامها أثناء فترة الحيض مع عدم نزول الدم، ولكان ذلك حرام وممنوع حتى وإن تناولت الأدوية لمنع نزول الدم.
لو كان صيام الحائض حرام أو ممنوع لجاء حكم ونص تشريعي صريح ومحكم يقر بهذا، لا أن يترك الأمر للفقهاء الأجلاء وإجماعهم المطاط، وبغض النظر عن قول أحمد بن حنبل (من حكى الإجماع فقد كذب، ما يدريه لعل الناس اختلفوا) فإن القول والإيمان بأن الإجماع مصدر تشريعي ديني ما هو إلا شرك واضح بالله عز وجل، وكفر بآيات الرحمن وبالأخص قوله عز وجل : {..... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (المائدة 3).

الصيام واجب على الجميع - إلا من استثنت الآية بالرخص - ولا يسقط الصيام عن الحائض لعدم اشتراط الطهارة للصيام وصحته، أما الحائض التي لا تستطيع الصيام لظروف صحية من تعب وإعياء وضعف فيجب أن تفطر لتصير بحكم المريض.





















المصادر والمراجع :

 

 

- شرح المذهب للنووي.

- المجموع للنووي.

- صحيح مسلم.

- صحيح البخاري.

- مشكل الآثار للطحاوي.

- مقاييس نقد متون السنة.

- نقد المتن للإدلبي.

- شرح النخبة لابن حجر.

- تدريب الراوي للسيوطي.

- المغني لابن قدامة.

- المحلى لابن حزم.

- الاعتصام للشاطبي.

- بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد.

- الفقه على المذاهب الاربعة.

- الموسوعة الفقهية الكويتية.

- الاقناع في ألفاظ أبي شجاع للخطيب الشافعي.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

من نحن

authorمكتبة آل محمد
المزيد عني →

التسميات

كتب (290) مقالات (24)

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *