مسلم حنيف - مكتبة آل محمد

مكتبة آل محمد. تصحيح المفاهيم الخاطئة وتجديد الفكر الديني، وقراءة في جميع الكتب.

آخر المواضيع

الأربعاء، 26 سبتمبر 2018

حد السرقة بين القطع والبتر

قطع يد السارق وبترها :




{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (المائدة 38-39).

 يؤمن البعض بأن عقوبة السارق هي بتر يده بألة حادة، وحسب الرؤية والفهم التراثي يجب فصل وبتر يد واحدة للسارق بدون تحديد موضع البتر، وهذا مخالف لنص الآية التي تقول {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} وليس كما تراها العين التراثية (ابتروا يديهما)، فكلمة "اقطعوا" ليست هي "ابتروا" وكلمة "أيديهما" تعني كلتا اليدين وليس يد واحدة.
فهل يجب بتر كلتا يدي السارق ؟ أم قطع يدي السارق لا تعني بترهما ؟.

إن القرآن حجة بصيغته اللسانية بذاته واستنادا للقاعدة التي تقول (إذا اختلف المبنى، اختلف المعنى) فإن كلمة "قطع" غير كلمة "قطّع" وغير كلمة "بتر" ولو كان القطع يعني البتر في آية سورة المائدة فعلينا أن نبتر أربع أيادي - كما ذكرنا سابقا - ﻷن الآية تقول {فاقطعوا أيديهما} لذلك فالقطع ليس هو البتر، القطع يعني قطع الأيدي عن المجتمع لمنع السرقة (كالسجن أو النفي ...) والسارق والسارقة تعني أن مهنتهما السرقة لذلك جاءت على وزن فاعل ليدل على تكرار الفعل وامتهانه، والسرقة جاءت مغايرة للقتل لقوله تعالى {ومن يقتل} أي يكفي أن يقتل لمرة واحدة كي يقام عليه الحد.
ومن الممكن أن تكون السرقة دراهم معدودة وقد تصل إلى سرقة ملايين الدراهم، ولا يمكن أن تكون عقوبة الاثنان متساوية، وبالتالي ففي حالة الدراهم القليلة يمكن أن يعفى عن الذي سرق، أما الذي نهب الكثير والكثير فيجب سجنه وقد تصل عقوبته للمؤبد، وفي الآية {فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} إن مجال تخفيض العقوبة موجود بنص الآية، ولو كان القطع هو البتر كما يدعي البعض، فما علاقة التوبة بعد بتر اليد وبماذا تفيد، فإذا بترت يد الشخص فلا تقدم توبته شيئا ولا تؤخر ولا يصبح لها معنى ولا فائدة.

ولتوضيح معنى الفعلين والفرق بينهما :

قَطَعَ    يَقْطَعُ    اقْطَع    قاطِع    مَقْطوع .

قَطَّعَ    يُقَطِّعُ    قَطِّع    مُقَطِّع     مُقَطَّع .


 إن استخدام فعل "قَطَعَ" في القرآن جاء دائما بمعنى المنع وعدم الوصل، ولم يأتي هذا الفعل أبدا بمعنى البتر. ولنأخذ الآيات التي تذكر فعل "قَطَعَ" لا "قَطَّعَ" :

{الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}.

{قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ}.

{فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.

{فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۖ وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ}.

{لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُوا خَائِبِينَ}.

{وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ}.

{أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ ۖ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}.

{وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۙ أُولَٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}.

وقبلها بآيات قليلة جاء ضد كلمة {وَيَقْطَعُونَ} وهي {يَصِلُونَ} في قوله عز وجل :

{وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ}.

إن فعل "قَطَعَ" ومشتقاته لم يأتي ولا مرة واحدة - في القرآن - بمعنى قطع حسي أو عمل فزيائي يعني البتر أو الفصل أو التقطيع، بل جاء كصفة منع ونهي ولا وجود لآلة حادة إطلاقا في هذا الفعل.

لقد تم استعمال فعل "قطّع" بتشديد الطاء للمبالغة، وهذا ما نجده في الآيات :

{وآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ}.

{إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ}.

{وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ}.

{وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا ۖ مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَٰلِكَ ۖ وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.

{هَٰذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ۖ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ}.

{كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ}.

{لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ}.

{قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ۚ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ}.

{فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}.

استخدام فعل "قطّع" في الآيات الأخيرة - فرعون والمؤمنون - يعني ضرب المسامير في اﻷيدي واﻷرجل للصلب، ولو كان التقطيع هنا يعني البتر فكيف يكون الصلب بعد ذلك ؟ ومن أي أعضاء سيصلب؟.

إن فعل "قَطَّعَ" ومشتقاته يدل على عمل فزيائي (لكن "قَطَّعَ" لا تعني دائما استخدام آلة حادة) وقطع حسي بآلة حادة ينتج عنه جرح أو تمزيق أو بتر أو فصل.


{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (المائدة 38-39).

إن عقوبة السارق هي قطع يديه ومنعها - أو نهيها - عن السرقة سواء بالسجن أو النفي أو العزل ... وهذه العقوبة تجعل الفاعل - السارق - يراجع أموره ويتوب ويصلح ما يمكن إصلاحه (اعتزال السرقة، إرجاع المسروقات ...) {فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، أما إذا بترت يداه فما الدافع لتوبته وإصلاحه وهو مبتور الأيدي.

في عصرنا الحالي تطورت السرقة بدرجة كبيرة، فالإنسان اليوم يستطيع أن يسرق - حتى ولو كان مبتورا - بدون استخدام يديه، فالسرقة التكنولوجية قد تتم بالعين (بصمة العين) أو باللسان ... فهل هؤلاء سنقطّع ألسنتهم ونفقأ أعينهم ؟! وإذا كان السارق أبتر، فماذا سنبتر منه ؟!.

وإذا ما بحثنا عن قصص السرقة في التنزيل الحكيم فإننا نجد قصة يوسف عليه الصلاة والسلام وإخوته، إذ يقول رب العالمين {فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ}.

{قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ قَالُوا جَزَاؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}.

 {قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}.

كانت عقوبة من وجد في رحله - أخ يوسف - الحجز ومنعه من المغادرة مع إخوته، ولو كانت العقوبة هي بتر اليد لبتروها وذهب مع إخوته، لكن العقوبة منذ القدم هي السجن والحجز.

أما من يقول أن البتر قد طبق قديما فهذا كلام لا صحة له ولا دليل متواتر عليه، فالمرويات التاريخية متناقضة مع بعضها البعض ومتناقضة مع الآية الكريمة في سورة المائدة، فالآية تقول الأيدي أما الروايات فإنها تقول - ببتر - اليد الواحدة فقط، ولو طبق البتر لما كان هناك اختلاف في موضع البتر.

أما فقهيا فإنه يصعب البتر إلى درجة الاستحالة إلا إذا توفر 16 شرطا يصعب تطبيقهم على أرض الواقع إلا ما ندر، وهناك اختلاف بينهم هل القطع بمعنى البتر الكلي أم بمعنى الجرح فقط، لأن هناك روايات تقول بتقطيع اليد وتعليقها في عنق السارق مما يدل على انه جرح وليس بتر ...

وبعيدا عن كل هذه التناقضات التاريخية، فإن دليلنا وحجتنا هو التنزيل الحكيم لأنه حجة بذاته.

 تعقيبا على منشور حد السرقة :


 وصلت عدد التعليقات لأكثر من 600 تعليق (في أغلب الصفحات)، ويستحيل أن اقرأها جميعا لكنني اطلعت على بعضها، فيها الإيجابي والسلبي، المحترم واللا محترم، المحترم والبذيء ...

ومع كامل الأسف، فإنني لم أجد جوابا علميا أو جوابا يناقش الفكرة بإحترام وموضوعية، وللرد على هذا الكم الكبير من التعليقات يجب تصنيفها كي يكون الرد شاملا، ولهذا فإنني سأصنفها على النحو التالي :

1 - سب وشتم وقلة أدب واتهامات ...

2 - تعليقات موافقة وإيجابية.

3 - تعليقات يتضح أن أصحابها لم يقرؤوا إلا سطرين على الأكثر.

4 - تعليقات لم تفرق بين "قَطَعَ" و "قَطَّعَ" ووضحت هذا في المنشور.

5 - تعليقات تستهزأ من كلمة "أيديهما" وهم في الأساس مخطؤون.

6 - تعليقات تستدل بروايات آحاد لرد القرآن الكريم.



والجواب على هذه التصنيفات يكون كالتالي :

1 - لكل من شتم بارك الله فيكم وشكرا لكم على هذه الأجوبة، وأقول لكم بأن كل إناء بما فيه ينضح.

2 - أتوجه بجزيل الشكر لكل من كان تعليقه محترما وإيجابيا حتى وإن اختلفنا في وجهات النظر، فالاختلاف لا يفسد للود قضية.

3 - بعض الناس علقت وتكلمت عن أمور أجبت عنها في المنشور، فكان تعليقهم باطل لأنه قبل طرح هذا الكلام تمت الإجابة عنه، فلا يلزمهم سوى التحلي بالموضوعية والقراءة بعين محايدة لا بعين متحيزة قبل القراءة.

4 - بعض التعليقات لم تفرق بين فعل "قَطَعَ" و "قَطَّعَ" فتجد صاحب التعليق يستدل بآية فيها فعل "قَطَّعَ" ليجيب عن آية فيها فعل "قَطَعَ" لا "قَطَّعَ"، وبعضهم ذكر آيات في المنشور ويقول (وما قولك في هذه الآية) ولو أنه قرأ المنشور لوجدني سبقته في الإستدلال بهذه الآيات لتوضيح الفرق بين "قَطَعَ" و "قَطَّعَ".

5 - هذا الصنف من الأجوبة كان الأكثر كوميدية، فأغلبهم يبدأ تعليقه بالإستهزاء والشخصنة وهو في الأساس مخطئ وجاهل، فتجدهم يقولون "أيديهما" تعود على يد السارق ويد السارقة. وهذا لب الجهل والغباء وعدم معرفة أسهل قواعد اللسان العربي، فالغبي لا يعلم أن يد السارق ويد السارقة تعني "يداهما" أو " يديهما" أما "أيديهما" فتعني 3 أيدي فما فوق. وهذه من أول الأمور التي وضحتها في المنشور لكن من الواضح أن الأغلبية تقرأ وبصيرتها عمياء.

6 - لو اطلعت على كل ما نشرت أو ما نشر أناس غيري فإن أول شيء سيثير انتباهك هو اتهام يردده كل من هب ودب (منكر للسنة ...)، وهذه الفئة من البشر تجده لا يفقه حديثا، فلا هو درس وعرف علم الرواية وعلم الدراية، ولا يعلم ما هي شروط صحة الحديث، ولا يعلم ما هي قواعد قبول متن الحديث، ولا يعلم من أين تؤخذ الأحكام والغيبيات ...
فالروايات التي يستدل بها لا هي قالت بالبتر ولا هي روايات صحيحة بلغت حد التواتر، فتجده كلما رأى شخصا رد حديث (ضعيف، مرسل، موضوع ...) يتهمه بإنكار السنة، وهؤلاء لا يعلمون أن هناك فرق بين السنة والحديث.

والعجيب في الأمر أنني لم أجد جوابا علميا، أو جواب يستدل بنفس جنس أدلتي، وقد ذكرت في المنشور عبارات ربما لم يلتفت لها إلا القلة أو التفت إليها البعض ولم يفهمها وهي : إن القرآن حجة بصيغته اللسانية بذاته واستنادا للقاعدة التي تقول (إذا اختلف المبنى، اختلف المعنى).
وبعيدا عن كل هذه التناقضات التاريخية، فإن دليلنا وحجتنا هو التنزيل الحكيم لأنه حجة بذاته.


 يجب الإشارة إلى عدة أمور أخرى، منها :

عندما نشرت موضوع حد السرقة كنت قد بدأت كتابة بحث للإجابة عن بعض التعليقات المتهافتة عن موضوع "كذبة كل ما في الصحيحين صحيح" وأرى أنه من الأفضل على الأغلبية التي تقرأ ما أنشر وتعلق أن تطلع عليه وتطلع على المنهج الفكري الذي سبق وأن نشرته سابقا.
وبعض التعليقات متناقضة فيما بينها، فبعضهم يقول أن الحد هو البتر، وآخرون يقولون أن الحد هو جرح في اليد (علامة)، والبعض قال ببتر اليد من المفصل ...

تمنيت أن أجد أجوبة على الأسئلة التي طرحت في المنشور، لذلك سأعيد صياغتها مرة أخرى ربما نجد لها جوابا :

كلمة "أيديهما" تعني كل الأيادي (السارق والسارقة) وليس يد واحدة.
فهل يجب بتر كلتا يدي السارق ؟.
واليد تنتهي عند الكتف، فهل البتر يكون من الكتف ؟؟
وهل سارق رغيف كسارق عشر دراهم ؟ وسارق مليون درهم كسارق ملايير الدراهم ؟ هل كل هؤلاء لهم نفس الجزاء والحد ؟؟.
ما علاقة التوبة بعد بتر اليد وبماذا تفيد، فإذا بترت يد الشخص فلا تقدم توبته شيئا ولا تؤخر ولا يصبح لها معنى ولا فائدة ؟.
في عصرنا الحالي تطورت السرقة بدرجة كبيرة، فالإنسان اليوم يستطيع أن يسرق - حتى ولو كان مبتورا - بدون استخدام يديه، فالسرقة التكنولوجية قد تتم بالعين (بصمة العين) أو باللسان ... فهل هؤلاء سنقطّع ألسنتهم ونفقأ أعينهم ؟! وإذا كان السارق أبتر، فماذا سنبتر منه ؟!.
وهل العصابة الإجرامية المتخصصة في السرقة يكون الحد عليهم ببتر الأيدي ؟؟ وإذا كان فيهم من هو مبتور الأيدي، فماذا سنبتر منه (مع تقديم دليل شرعي) ؟؟.

كل من يستدل بالكتب التراثية كما لو كانت قرآن كريم لم يقرأ قولي هذا، أو تغاضى عنه لأنه أعمى البصيرة : أما من يقول أن البتر قد طبق قديما فهذا كلام لا صحة له ولا دليل متواتر عليه، فالمرويات التاريخية متناقضة مع بعضها البعض ومتناقضة مع الآية الكريمة في سورة المائدة، فالآية تقول الأيدي أما الروايات فإنها تقول - ببتر - اليد الواحدة فقط، ولو طبق البتر لما كان هناك اختلاف في موضع البتر.

أما فقهيا فإنه يصعب البتر إلى درجة الاستحالة إلا إذا توفر 16 شرطا يصعب تطبيقهم على أرض الواقع إلا ما ندر، وهناك اختلاف بينهم هل القطع بمعنى البتر الكلي أم بمعنى الجرح فقط، لأن هناك روايات تقول بتقطيع اليد وتعليقها في عنق السارق مما يدل على انه جرح وليس بتر

والبعض قال أنني أستدل بأن شرع يوسف عليه الصلاة والسلام هو نفس شرعنا وهذه مغالطة من أصحاب تلك التعليقات، فما اتحدث عنه هو : رفع الحرج والتيسير في الشريعة.
فكل شريعة تأتي بعد سابقتها تكون رافعة للحرج وميسرة، عكس سابقتها التي تكون خاصة بزمن معين أو مكان معين، وبما أن البتر منذ عهد يوسف عليه الصلاة والسلام غير موجود فمن المستحيل أن يأتي بعده، وإلا لأصبح عكس رفع الحرج والتيسير وهذا مخالف للب الشريعة الخاتمة والرسالة العالمية، إذ يقول رب العالمين : {وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} . {يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ}.
فإن اتجاه التطور الإنساني يتجه نحو التيسير والتخفيف لا نحو التشديد، فشريعة حمورابي فيها 16 عقوبة جسدية، وشريعة موسى عليه الصلاة والسلام فيها 4 عقوبات جسدية ...
...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

من نحن

authorمكتبة آل محمد
المزيد عني →

التسميات

كتب (290) مقالات (24)

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *