علق اليوم وللمرة الأولى صديق في الفيسبوك عن منشورين، أحدهما عن الجواب الذي كتبته لصديق سابق.
هذا الأخ يقول أن كل ما صحيح مسلم مقطوع بصحته ولا وجود للخطأ في كتاب صحيح مسلم، وهذا إجماع لا يجوز إنكاره.
فقلت له أن انتقادات الأئمة والمحدثين
والعلماء على الصحيحين كثيرة وعديدة، فالأمة تقبلتهما بالفحص والتمحيص لا
بالقبول الأعمى والقول بصحة كل ما فيهما لا يقوله إلا جاهل أو
مدلس.
فسألني هل أنا الذي أطعن ومن أكون حتى
أطعن، واستدل بقول لابن الصلاح ولابن القيسراني، وهو لا يعلم ان كلام هؤلاء
عن الصحيحن ليس بعام وشامل وصحيح وبينه عدد من العلماء، أمثال الحافظ
العراقي وابن حجر العسقلاني والمزي والسخاوي وابن تيمية ...
والشيخ ابن الصلاح شافعي المذهب،
والإمام الشافعي بنفسه ضعف أحاديث صححها الشيخان أو أحدهما، مثل حديث عائشة
أنها كانت تغسل الجنابة من ثوب النبي عليه الصلاة والسلام فيخرج إلى
الصلاة وإن بقع الماء في ثوبه.
والشافعي قال بعد أن روى الحديث قال : "وهذا ليس بثابت عن عائشة ...". (الأم للشافعي 57/1).
وجميع الأئمة والفقهاء ضعفوا أحاديث
صححها الشيخان بعد مدة من الزمن، فإن قال أن الأحاديث صحيحة فنقول له أن
جميع مذاهب أهل السنة قائمة على أحاديث ضعيفة ولا تصح، وأحاديث مردودة اتضح
أنها صحيحة بعد حين، وهذا لا يقوله عاقل.
أو أن في الصحيحين أحاديث ضعيفة وموضوعة ومقحمة كما صرح بذلك الحميدي وغيره.
واتضح لي أن هذا الشخص مجرد طويلب
للعلم، يستمع لكلام شيخه فيردده ويدافع عنه بدون دليل ولا علم، وقد ذكرت له
أن الدارقطني الذي يقال عنه أمير المؤمنين في الحديث ضعف عددا من
الأحاديث.
فكان رد هذا الشخص كما هو متوقع من أهل
التزوير والتدليس وقال أن الدارقطني انتقد احاديث يسيرة فقط، وهذه شبهة
ذكرها أحد الشيوخ فصدقه من لا علم له، وقلت له أن الدارقطني انتقد 200 حديث
في الصحيحين، أغلبها عند مسلم والبقية عند البخاري.
ويا ليته سكت وذهب ليتعلم، بل إنه قال كلمة جعلتني أعتزل الحوار معه، وكانت كلماته كالآتي :
(ان غاية الامر انه لا يسلم للدارقطني فما انتقده الدارقطني
اعتبره البخاري وهو افضل من الدارقطني مائة مرة في علم الحديث)
فهذا الذي يقول هذا الكلام (البخاري وهو افضل من الدارقطني مائة مرة في علم الحديث) ليس بدارس ولا عالم ولا شخص ذو عقل متوازن.
وصراحة لم أستطع أن أجيب هذا الشخص،
وكيف أجيبه وهو يقول هذا الكلام عن رجل شهد له البعيد قبل القريب بتفرده
ومعرفته النادرة، فهل أذكر له أقوال العلماء عنه، أم أكتب أنا رأيي فيه (في
الدارقطني)، فقلت من الافضل أن أذكر له شهادة العلماء عن الدارقطني لعله
يعلم من هو هذا العلامة وربما يقدره حق قدره.
يقول الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد:
"عن أبو منصور الأزهري قال : بلغني أن
الدارقطني حضر حداثته مجلس إسماعيل الصفار، فجلس ينسخ جُزءاً كان معه
وإسماعيل يملي ،فقال له بعض الحاضرين : لا يصح سماعك وأنت تنسخ، فقال
الدارقطني : فهمي للإملاء خلاف فهمك، ، ثم قال : تحفظ كم أملى الشيخ من
حديث إلى الآن ؟ فقال : لا، فقال الدارقطني : أملى ثمانية عشر حديثا،
فعدَّت فوجدت كما قال، ثم قال أبو الحسن : الحديث الأول منها عن فلان عن
فلان، ومتنهكذا، والحديث الثاني عن فلان عن فلان، ومتنه كذا، ولم يزل يذكر
أسانيد الأحاديث ومتونها على الترتيب في الإملاء حتى أتى آخرها، فتعجب
الناس منه".
ثم قال في نفس الكتاب :
"فريد عصره، وقريع دهره، ونسيج وحده،
وإمام وقته، انتهى إليه علم الأثر والمعرفة بعلل الحديث، وأسماء الرجال،
وأحوال الرواة، مع الصدق والأمانة، والفقة والعدالة، وقبل الشهادة، وصحة
الاعتقاد، وسلامة المذهب ،والاضطلاع بعلوم سوى الحديث ، منها القراءات ،
فإن له فيها كتابا مختصرا موجزا، جمع الأصول، في أبواب عقدها في أول
الكتاب، وسمعت بعض من يعتني بعلوم القرآن يقول : لم يسبق الدارقطني إلى
طريقته اللتي سلكها في عقد الأبواب المقدمة في أول القراءات ،وصار القراء
بعده يسلكون طريقته في تصانيفهم، ويحذون حذوه".
وأنظر أيها المتعالم لقول الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء عن الدارقطني لعلك تستفيد وتتعلم :
"الإمام الحافظ المجود ، شيخ الإسلام ،
علم الجهابذة أبو الحسن ، علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان
بن دينار بن عبد الله البغدادي المقرئ المحدث ، من أهل محلة دار القطن
ببغداد...
وكان من بحور العلم ، ومن أئمة الدنيا ،
انتهى إليه الحفظ ومعرفة علل الحديث ورجاله ، مع التقدم في القراءات
وطرقها ، وقوة المشاركة في الفقه ، والاختلاف ، والمغازي ، وأيام الناس ،
وغير ذلك".
وقال ابن كثير عن كتاب العلل للدارقطني
: "هو أجل كتاب، بل أجل ما رأيناه وضع في هذا الفن ولم يسبق إليه مثال،
وقد أعجز من يريد أن يأتي بعده"
خلاصة :
نقول لكل متعالم متفيقه ظن أنه علم
أمور الدنيا والآخرة، اذهب اقرأ وتعلم فإنك لم تبلغ مستوى التعليق أولا حتى
تجيب عن كلام العباقرة.
ولا تظن حينما ترى أننا نخوض في أمور
لا علاقة لها بهذا الفن أننا لا نجيده، بل نحن أهله وأبناءه ولكننا أردنا
الخوض في مواضيع أخرى كي نلامس عقول وإدراك غالبية الناس.
ونصيحتي الأخيرة لك أيها الجهبذ، ادرس كتب الشيخ محمد زاهد الكوثري، فلعلها تفيقك من سباتك العميق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق